الجمعة، 3 يونيو 2011

المادة وقرين المادة

نحن نعلم أن العزيز الحكيم خلق الإنسان وجعل منه زوجين ذكرا وأنثى قال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) 

حتى يكون للإنسان رفيق وحتى ليزداد التعارف والمودة بين خلقه ولم يقتصر النظام على الإنسان فقط بل تعداه ليشمل مملكة الحيوان فقد جاء فيهما قول الله تعالى 
( وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى . من نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى) وقول الله تعالى ( قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) 

وكذلك مملكة النبات قال تعالى ( وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) 
فالإنسان والشطر الأكبر من فصائل الحيوان والنبات خلقوا جميعا في صورة الذكر والأنثى هذا ما يخبرنا به القرآن وهو ما تعلمناه في علوم الأحياء

وبالإضافة إلى ذلك نرى بالآية التالية شمولا أكبر وأعم قال تعالى ( وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) 

فكلمة شيء هنا فهمها من قبلنا ويفهمها أكثرنا على أنها تشمل الإنسان والحيوان والنبات فقد جميع القرآن ذكرهم في بالآية وأخبرنا بأنه جعل من كل المخلوقات الحية زوجين 
وقد يكون الأمر كذلك ولكنا إذا أمعنا النظر لوجدنا أن كلمة شيء فيها شمول أكثر من النبات والحيوان والإنسان أنها تشمل الجماد أيضا

فهل في الجماد زوجان ؟ 
من أجل الإجابة على السؤال نحتاج لنزهة قصيرة في فيزياء الجسيمات

بالنصف الأول من القرن العشرين كان أحد الفيزيائيين الإنجليز  واسمه ديراك Dirak يقوم بأبحاث على معادلات الالكترونات والالكترونات كما نعلم هي الجسيمات السالبة الشحنة التي تدور حول نواه الذرة وفي أثناء قيامه بهذه الأبحاث اكتشف أن المعادلات لها حلين وليس حل واحد 

وأي واحد منا تعامل مع معادلات الدرجة الثانية يستطيع أن يدرك بسهوله هذا الموقف فمعادلات الدرجة الثانية تحتوي على مربع كمية مجهولة والكمية المربعة دائما موجبة 

فحاصل ضرب 2x2 يعطى 4 كذلك حاصل ضرب -2 x -2 يعطى أيضا نفس النتيجة ومعنى ذلك أن الجذر التربيعي لــ 4 هو أما 2 أو - 2 

وقد كانت معادلات ديراك أكثر تعقيدا من هذا المثال ولكن المبدأ هو نفسه فقد حصل على مجموعتين من المعادلات إحداهما للالكترونات السالبة الشحنة والأخرى لجسم مجهول ذو شحنة موجبة وقد قام ديراك ببعض المحاولات الغير ناجحة لتفسير سر هذا الجسيم المجهول فقد كان يؤمن بوجوده ولكن الفيزيائيون تجاهلوا بعد ذلك فكرة وجود جسيم موجب الشحنة ممكن أن يكون قرينا للالكترونات تماما كما يتجاهل المهندس الذي يتعامل مع معادلات الدرجة الثانية الحلول التي تعطى أطوالا أو كتلا سالبة

وبعد عدة سنوات من أعمال ديراك النظرية بأوائل الثلاثينات اكتشف أثار هذا الجسيم المجهول بجهاز يسمى بغرفة الضباب  cloud chambre بدراسة تأثير المجال المغناطيسي على هذه الآثار اكتشف أن كتلة ذلك الجسيم تساوي كتلة الإلكترون وانه يحمل شحنة موجبة ومساوية لشحنة الإلكترون وعندئذ سمي الجسيم بقرين الإلكترون Antielectron  أو بالبوزترون Positron 

ومن ثم بدأ البحث عن قرائن الجسيمات الأخرى فمعنى وجود قرين للإلكترون وجود قرائن للجسيمات الأخرى وفعلا بدأ اكتشاف هذه القرائن الواحد يلي الآخر وبدأ تقسيمها إلى أنواع لن ندخل بتفاصيلها وسوف نكتفي بذكر نتيجتها النهائية وهي وجود قرين لكل جسيم بل ولكل جسم

واكتشاف قرين المادة يخبرنا باحتمال وجود عالم آخر يناظر عالمنا المادي ويتكون من قرائن الجسيمات أي من قرين المادة أي هو هذا العالم الذي يتكون من قرين المادة ؟ 

هذا هو السؤال الذي لم يستطع أحد الإجابة عليه 
فالأرض تتكون أساسا من مادة 
وليس من قرائن المادة أما قرائن المادة التي يتم إنتاجها في الأشعة الكونية  cosmic rays أو في معجلات الجسيمات  Particle accelerator 
لا تعيش مدة طويلة في الأجواء الأرضية فبمجرد أن تنخفض سرعتها بعض الشيء تحتم عليها أن تواجه مصيرها المؤلم الذي لا تستطيع الفرار منه وهو المحق أو الإبادة بواسطة المادة المقابلة لها التي تملأ أجواء الأرض 

فعندما يتقابل الجسيم مع قرينه أو المادة مع قرينها يبدد كل منهما الآخر ويختفي الاثنان في شيء يشبه الانفجار متحولين كليهما لطاقة معظمها بصورة أشعة جاما 

وأحد الألغاز التي حيرت الفيزيائيين هو مقدار القرائن الداخلة ببناء الكون فهل تعتبر الأرض نموذجا مصغرا لبقية الكون ؟ أي هل تزيد نسبة المادة بالكون كله عن نسبة قرائنها كما هو الحال في الأرض ؟ 

قد نستطيع الجزم بأن نسبة قرائن المادة بمجرتها نسبة ضئيلة وإلا تبددت أكثر المواد الموجودة بين النجوم ولسجلت مراصدنا كميات أكبر بكثير من أشعة جاما  ولكن من يدرينا أن الأمر لا يختلف عن ذلك في المجرات الأخرى النائية التي تقع بأطراف الكون النائية فربما وجدت مجرات بأكملها تسمى بقرائن المجرات وتتكون من قرائن النجوم 

وإذا سلمنا بوجود قرينا للمجرة وجدنا أنفسنا أمام سؤال آخر محير وهو ما الذي يمنع المجرة وقرينها من الاقتراب من بعضها ومن ثم التبدد والزوال ؟ 
هل هو الفراغ الكوني الهائل والمسافات الشاسعة التي أوجدها العلي القدير لتفصل بين المجرات وقرائنها ؟ 
وهل تقدم لنا النظرية تفسيرا جديدا لقول الله العزيز الحكيم 
( إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) 

فتبدد المجرات وقرائنها وزوالها بهذه الطريقة قد يتم في لحظات ويكون نتيجته كمية هائلة من الطاقة فتبدو السماء وكأنها وردة كالدهان قال تعالى (فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ) ونحن لا نستطيع تصور انشقاق السماء كيف ستنشق ؟ وأي جزء منها سيبدو منشقا ؟ 

ولكن إذا حدث وتبددت مجرتنا مع قرينتها فذلك يعني تبدد كل مستوى المجرة الذي نراه نحن من داخلها وكأنه يقسم الكون لقسمين فتبدوا المساء منشقة وعندئذ تنكر النجوم وتنطمس فكل نجم يتبدد عندنا يقترب من قرين النجم 
قال تعالى (فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ . وَإِذَا السَّمَاء فُرِجَتْ) 
وإذا تبددت النجوم بهذه الطريقة وتحولت كتلتها لطاقة فعندئذ تتلاشى تلك القوى التي تجذب الكواكب للنجوم بمساراتها فتتعثر الكواكب وتنتثر 
قال الله تعالى ( إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ . وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ) ونتج عن ذلك اضطرابات هائلة على كوكبنا الأرض 
قال تعالى (وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ) 
وقال تعالى (وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ) 
وقال تعالى (وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ)  

إنها علامات الساعة التي أخبرنا الخالق البارئ بها 
وقد يقدم لنا موضوع فيزياء الجسيمات وقرائنها تفسيرا لها فزوال المادة وقرينها أصبح حقيقة علمية تحدث يوميا بمعجلات الجسيمات التي تحول الطاقة لمادة 

وإذا عدنا إلى الآية الكريمة ( وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ) لوجدنا أن إجابتنا ستكون بالإيجاب على سؤال وجود الجماد أو المادة بصورة زوجين المادة وقرينها فالخلاق الكريم لم يخلق الإنسان والحيوان والنبات فقط بصورة زوجين بل جعل من كل شيء زوجين حتى من الجماد والمادة وهذا هو تفسير الشمول التام الذي نراه في الآية ( وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)  سورة الذريات

ومما يذكر أن الفيزيائي المسلم محمد عبد السلام الباكستاني الجنسية الحائز على جائزة نوبل بالفيزياء عام 1979 والذي قام بأبحاث هامة بموضوع الجسيمات وقرائنها وكان له الفضل بوضع النظرية التي جمعت بين قوتين رئيسيتين من القوى الأربع المؤثرة في بالكون وهما القوة الكهرومغناطيسية والقوة النووية الضعيفة صرح بعد حصوله على الجائزة أن الآية القرآنية ( وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ) 

كانت بمثابة إحساس خفي وإلهام قوي له وذلك أثناء أبحاثه على قرائن الجسيمات المادية فقد فهم الآية فهما شاملا يطوي بناء كلماتها الحقيقية بوجود قرائن للمادة كحقيقة وجود أزواج أو قرائن بمملكة النبات والحيوان الإنسان