الجمعة، 3 يونيو 2011

المشارق والمغارب

ظاهرة يومية عرفت منذ تكونت الشمس والأرض وهي ظاهرة الشروق والغروب جاءت في كتاب الله بصور وصيغ ثلاث 

قال تعالى
(رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا ) 

وقال تعالى
( فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ ) 

وقال تعالى 
( فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ . عَلَى أَن نُّبَدِّلَ خَيْرًا مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ) 

ففي الآية الأولى جاء ذكر المشرق والمغرب بصيغة المفرد وبالثانية بصيغة المثنى وبالثالثة بصيغة الجمع فما هو السبب في اختلاف الصيغ ؟ 
وأين كل هذه المشارق والمغارب ؟ 
لا يبدو وجود صعوبة بفهم صيغة المفرد فأينما كنا وحيثما وجدنا رأينا للشمس مشرقا ومغربا 

أما المشرقان والمغربان فقد فسرهما المفسرون بمشرقي ومغربي الشمس بالشتاء والصيف فالأرض كما نعرف تتم دورتها حول الشمس في 365 يوما وربع يوم كذلك نعلم أن ميل محور دورانها عن المحور الرأسي يسبب اختلاف الفصول ومن ثم اختلاف مكان ووقت الشروق والغروب على الأرض على مر السنة فالواقع أن المشرق والمغرب على الأرض أي مكان الشروق والغروب يتغيران كل يوم تغيرا طفيفا 

أي أن الشمس تشرق وتغرب كل يوم من مكان مختلف على مر السنة وهذا بدوره يعني وجود مشارق ومغارب بعدد أيام السنة وليس مشرقين ومغربين اثنين فقط وإن بدأ الاختلاف بين مشرقي الشمس ومغربيها أكثر وضوحا بالشتاء والصيف فقد يكونا إذن مشرقي الشمس ومغربيها بالشتاء والصيف هما المقصودان بالآية الكريمة ( رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ ) 

كذلك قد تكون هذه المشارق والمغارب المتعددة التي نراها على مر السنة هي المقصودة بالآية الثالثة ( بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ ) وقد يكون المقصود بها أيضا مشارق الأرض ومغاربها ببقاعها المختلفة فشروق الشمس وغروبها عملية مستمرة ففي كل لحظة تشرق الشمس على بقعة ما وتغرب عن بقعة أخرى 

وقد يكون المقصود بها مشارق الأرض ومغاربها على كواكب المجموعة الشمسية المختلفة فكل كوكب مثله بذلك مثل الأرض تشرق عليه الشمس وتغرب كانت هذه تفسيرات مختلفة لمعنى المشارق والمغارب والمشرقين والمغربين 

بقى لنا أن نعرف السبب بذكر المشرق والمغرب فى صيغ مختلفة والسبب يبدو أكثر وضوحا إذا تلونا الآيات مع سوابقها وبتدبر وإمعان فالآية الأولى تبدأ ( وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا . رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا ) 

وكما نلاحظ أن ذكر رب المشرق والمغرب هنا كان مقرونا باسم الجلالة فالله سبحانه وتعالى يأمر رسوله بأن يذكر اسم ربه وأن يتبتل إليه والتبتل هو الاتجاه الكلي لله وحده بالعبادة والإخلاص فيها بالخشوع والذكر فليس للرحمن من شريكة ولا ولد ويأتي ذلك مؤكدا بالمقطع الثاني من الآية ( لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا ) 

ففي هذا المقام الذي يؤكد الله فيه وحدانيته لعبده ويدعوه لعبادته وحده عبادة خالصة مخلصة نجد أن صيغة المفرد هنا هي أنسب الصيغ وذكر المشرق والمغرب بصيغة المفرد يكمل جو الوحدانية الذي نعيش فيه مع الآية الكريمة 

أما بالآية الثانية فالوضع يختلف ولنبدأ ببعض الآيات التي تسبق الآية الثانية قال تعالى ( خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ . وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ . فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ . رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ . فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ . مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ . بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ .  فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ . يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ .  فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) 

الحديث في هذه الآيات كلها بصيغة المثنى يذكرنا فيها الرحمن بأنه هو الذي خلق الإنس والجان وأنه هو رب المشرقين والمغربين وأنه هو الذي مرج البحرين ليلتقيا ولكن بدون أن يبغي أحدهما على الآخر ومهما يخرج اللؤلؤ والمرجان فصيغة المثنى هي الغالبة بالآيات وكذلك فقد يبدو من الأنسب أن يذكرا المشرقين والمغربين أيضا بصيغة المثنى 

وبالمثل في الآية الثالثة فإذا كتبناها مع سوابقها ولواحقها من الآيات الكريمة عرفنا سبب ذكر المشرق والمغرب بصيغة الجمع قال تعالى ( فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ . عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ . أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ . كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ . فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ . عَلَى أَن نُّبَدِّلَ خَيْرًا مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ) 

فالحديث هنا كما نلاحظ منصب على الذين كفروا ولذلك ذكرت المشارق والمغارب على نفس النمط بصيغة الجمع أيضا حتى يتأتى التوافق بالصيغ الذي وجدناه بالآيتين السابقتين ومن ناحية أخرى يدعونا العلي القدير للتعمق والتفكير بمعاني الصيغ المختلفة فقد يكون المقصود بالمشارق والمغارب هنا على كفار جدد بأماكن جديدة وكأن العلي القدير يخاطبهم ويقول ( فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ ) 

هذه التي عرفتموها ورأيتموها بكل مكان وزمان على الأرض إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منكم وما نحن بمغلوبين لا شك في أن التوافق الذي رأيناه بصيغ الآيات الثلاث السابقة هو مثل حي من بلاغة الأسلوب القرآني وجمال تعبيره ودقة معانية ولجانب ذلك نجد أن ذكر المشرق والمغرب مرة في صيغة المفرد ومرة في صيغة المثنى ومرة في صيغة الجمع يعطي باعـثا للبحث والتفكير وحافزا للتعمق والتأمل 

فالمعاني والكلمات والتعبيرات بل والصيغ لا تأتي منقادة بهذه السهولة واليسر إلا للعزيز الحكيم وإذا تعمقنا مرة أخرى بمعنى رب المشارق والمغارب لوجدنا بهذا التعبير أيضا هذه الزاوية الجديدة التي لا عهد للإنسان بها فشروق الشمس وغروبها بكل لحظة على بلد جديد وعلى بقعة مختلفة من بقاع الأرض في أبعد ما يكون عن التصور الإنساني